مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الانسان
شبكة أحرار الرافدين لحقوق الانسان
السيد المفوض السامي لمجلس حقوق الانسان ميشيل باشليه خيريا
السيد رئيس اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري سانتياغو كوركويرا
إحياءً لذكرى اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، قام مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الانسان و بالتعاون مع شبكة احرار الرافدين لحقوق الانسان ، بعمل حملة حقوقية تحت شعار “معا لآطلاق سراح المختطفين والمخفيين قسريا ” في سجون مليشيا الحشد الشعبي
ففي الثلاثين من شهر أغسطس/آب من كل عام يستذكر العالم المختطفين و المخفيين قسريا في مناسبة عالمية سُمّيت “باليوم العالمي للاختفاء القسري”، الذي اعتمدته الأمم المتحدة يوما دوليا للتضامن مع ضحايا الاختفاء القسري، وقد اسُتحدثت هذه الذكرى السنوية للفت الانتباه إلى مصير الأفراد الذين سُجنوا في أماكن وظروف سيئة، ويجهل ذووهم أو ممثلوهم القانونيون كل شيء عنهم.
وعلى الرغم من انضمام العراق إلى اتفاقية الحماية من الاختفاء القسري في عام 2010، إلا أن هذا الانضمام كان مجرد عملية شكلية لا قيمة حقيقية لها! بدليل عدم التقيد بتنفيذ شروط هذه الاتفاقية من التزامات التي كان ملزما ان يتم تتضمنها المدونة القانونية العراقية. على سبيل المثال لا الحصر، قررت المادة 4 من الاتفاقية أن «تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لكي يشكل الاختفاء القسري جريمة في قانونها المحلي». فقد ظلت هذه المدونة، وبعد مرور أكثر من 8 سنوات على الانضمام إلى هذه الاتفاقية، خالية من أية إشارة إلى جريمة الاختفاء القسري بوصفها جريمة ضد الإنسانية يمكن اعتمادها لمحاكمة مرتكبيها! كما قررت المادة 17 من الاتفاقية أنه «لا يجوز حبس أحد في مكان مجهول»، وأنه يجب حبس جميع المحتجزين في أماكن معترف بها رسميا لكي يتيسر تحديد أماكنهم لضمان حمايتهم بقوة القانون. لكن الحكومة العراقية ما زالت ترفض التقيد بذلك رفضا تاما! على الرغم من أن الدستور العراقي نفسه يقرر حظر الحجز، وعدم جواز الحبس او التوقيف في غير الاماكن المخصصة والخاضعة لسيطرة الدولة! كما يشترط عرض اوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة من لحظة القبض على المتهم! بالإضافة الى وجود عدة جهات تنازع وزارة العدل، التي تعد قانونيا صاحبة المسؤولية الحصرية عن مراكز الاحتجاز والسجون في هذه الصلاحية، من بينها وزارتي الداخلية والدفاع، وعدد غير محدود من الاجهزة العسكرية والأمنية وصولا إلى الحشد الشعبي! وكان هناك إصرارا من الحكومة العراقية على رفض غلق هذه السجون والمعتقلات غير الرسمية التابعة لهذه الجهات.
و بالعودة إلى حوادث الاختفاء القسري الموثقة، ومن بينها حادثة الرزازة، فقد جاء في تقرير بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق المعنون «تقرير حول حماية المدنيين في النزاع المسلح في العراق من 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 إلى 30 أيلول/سبتمبر 2016»، وتحت عنوان: «الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الامن العراقية والقوات المرتبطة بها ـ عمليات القتل والخطف غير المشروعة»، أنه ومنذ تشرين الثاني، نوفمبر 2015 «خطف العديد من الأفراد الفارين من النزاع في الانبار عند نقطة تفتيش الرزازة التي تسيطر عليها مليشيات»، وأن عدد المختطفين بلغ ما يقارب 1200 شخص. وأن مكتب مفوض الامم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في البعثة قد تمكن من «تأكيد هويات ما يقارب 460 شخصا من أولئك الذين خطفوا في الرزازة».
وفي تقرير ثان للبعثة نفسها عن «وضع حقوق الانسان في العراق كانون الثاني/يناير ـ حزيران/يونيو 2016»، وتحت العنوان السابق نفسه، تحدث التقرير عن اعتراض «جماعة مسلحة مساندة لقوات الأمن العراقية، حددها الشهود بانها من كتائب حزب الله، وقامت المليشيا على الفور بفصل 1500 من الرجال والصبيان المراهقين عن النساء والأطفال»، لاحقا «جرى اعداد قائمة تضم أسماء 643 رجلا وصبيا مفقودين، فضلا عن 49 آخرين يعتقد انهم إما يكونوا قد أعدموا تعسفيا او عذبوا حتى الموت أثناء الاحتجاز»!
في الحادثتين، أعلنت الحكومة العراقية عن تشكيل لجان تحقيقية، خاصة بعد اعتراف الحكومة العراقية نفسها بهذه الحوادث. فقد أكدت الامم المتحدة في تقريرها الاول الذي أشرنا اليه انها تلقت ردا من وزارة الخارجية العراقية بان « 707 شخصا من الصقلاوية لا زالوا في عداد المفقودين». ولكن، وإلى هذه اللحظة ما زال مصير هؤلاء المختفين قسرا مجهولة! ولم تعلن نتائج أي من هذه التحقيقات! ولم يتم اتهام أحد! ولم يلاحق او يحاسب أحدا!
قريبا من هذا التواطؤ الصريح على مستوى الدولة العراقية ككل، وليس الحكومة وحدها! يحضر التواطؤ الدولي الصارخ ايضا! بداية من الامم المتحدة نفسها التي نسيت هذه الحوادث تماما ولم تعد تشير اليها مطلقا في تقاريرها!
نصت المادة 6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على ان المسؤولية الجنائية تقع على كل من «يرتكب جريمة الاختفاء القسري، او يأمر او يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، او يكون متواطئا او يشترك في ارتكابها». وبالتأكيد ستكون المسؤولية الاخلاقية أكبر على من تعمد إغفال معلومات كانت تدل على وجود جريمة اختفاء قسري أو انه لم يتخذ التدابير اللازمة والمعقولة لأغراض التحقيق والملاحقة!
اما في القانون العراقي، فقد ثبت في قانون العقوبات العراقي الحالي المرقم 111 لسنة 1969 والمعدل خلوه من اي نص واضح وصريح يعرف جريمة الاختفاء القسري طبقا للتعريف الوارد في المادة (2) من الاتفاقية المذكورة حيث عرفت الاختفاء القسري بأنه (الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون باذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده مما يحرمه من حماية القانون) لكن هناك أفعال تندرج تحت وصف الاختفاء القسري من (الخطف/ الاحتجاز/الاعتقال دون أوامر قضائية) المرتكبة من قبل كيانات من غير الدول والمطبق على هذه الأفعال لا يختلف كثيرا عن النصوص الواردة في قانون العقوبات العراقي في المواد (322 و324 و421 و423 و424 و425 و426) كذلك المادة (92) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 التي نصت على انه (لا يجوز القبض على أي شخص أو توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاضي أو محكمة أو في الأحوال التي يجيز فيها القانون ذلك). مع العرض ان نص المادة أعلاه يتطابق مع نص المادة (421) من قانون العقوبات المذكور انفا حيث نصت على انه (يعاقب بالحبس من قبض على شخص او حجزه أو حرمه من حريته باية وسيلة كانت بدون امر سلطة مختصة في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين والأنظمة بذلك).
ونجد الان و بعد مرور أكثر من ٣ سنوات على حادثة الرزازة، وحادثة الصقلاوية، لم يخبر رئيس مجلس الوزراء السابق العبادي أحدا بنتائج لجان التحقيق التي أعلن عنها! ولم يلاحق أو يحاسب أحدا لا هو ولا رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي حتى هذه اللحظة! ويتم التعاطي مع الجهتين المتهمتين بتقرير أممي بمسؤوليتهما عن جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم على انهما «قوات شرعية» تحصل على أفضل وأحدث الأسلحة الأمريكية والأوروبية! ويعامل قادتها على انهم «زعماء» و يجتمع بهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لمناقشة الوضع السياسي والأمني!
كما جاء أيضا في المادة 6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ان المسؤولية الجنائية تقع على كل من «يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو مشتركا في ارتكابها». كما أن هذه المسؤولية، وبالتالي المساءلة، تقع على من تعمد إغفال معلومات كانت تدل على وجود جريمة اختفاء قسري أو انه لم يتخذ التدابير اللازمة والمعقولة لأغراض التحقيق والملاحقة! ومن هذا المنطلق نؤكد على التورط الكبير والخطير لحكومات المالكي والعبادي سابقا وعبد المهدي حاليا.
وقد أصدر مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الانسان وشبكة احرار الرافدين لحقوق الانسان توصيات تضمنها التقرير الذي ارسلناه سابقا الى مجلس حقوق الانسان.
اولا، الإفصاح عن أماكن احتجاز المختطفين والمخفيين قسرياً و الواردة أسمائهم بالتقريرالمرفق طيا .
ثانيا، تجريم الاختفاء القسري في قانون العقوبات العراقي كجريمة لا تسقط بالتقادم ومعاقبتها بما يتلاءم مع جسامة هذا الانتهاك.
ثالثا، تعديل قانون العقوبات بحيث يتم اعتماد تعريف التعذيب الموجود في اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984.
رابعا، الضغط على العراق للانضمام إلى الاتفاقية الدولية ليتسنى حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري منذ عام 2006.
خامسا، الانضمام لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998.
سادسا، الانضمام للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 2002.
ونكرر مناشدتنا لمجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة والمنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتهم القانونية والاخلاقية والتدخل لحماية المدنيين في العراق والضغط على حكومة عبد المهدي للكشف عن مصير المختطفين والمخفيين قسريا.
مركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الانسان
شبكة احرار الرافدين لحقوق الانسان
الهيئة الدولية لمقاطعة النظام الايراني
جنيف.سويسرا .في 30.08.2019