No menu items!
Homeالعراق: 1400 سنة من التاريخ المضطرب.. تعرَّف على الإمبراطوريات التي حكمت ونشأت...

العراق: 1400 سنة من التاريخ المضطرب.. تعرَّف على الإمبراطوريات التي حكمت ونشأت ببلاد الحضارات المنكوبة عربي بوست

العراق: 1400 سنة من التاريخ المضطرب.. تعرَّف على الإمبراطوريات التي حكمت ونشأت ببلاد الحضارات المنكوبة

عربي بوست

  

كأنما كُتب على هذه البلاد أن ترى أروع لحظات البشرية وأكثرها دموية، إنها بلاد الرافدين منشأ الحضارات ومنزل أبي الأنبياء إبراهيم وباحة العلم والمذاهب.

عندما تمكَّنَت الميليشيات المنشقة عن تنظيم القاعدة، والمعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، من السيطرةِ على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي على امتداد نهري دجلة والفرات بالعراق، والتقدم جنوباً باتجاه بغداد- كان حدثاً صادماً للعالم كله، خاصة بعد أن تبين أن كل ذلك جزء من خطةٍ أكبر تهدف إلى إقامة خلافةٍ إسلاميةٍ في سوريا والعراق، ثم التوسُّع بعد ذلك أكثر عبر آسيا وإفريقيا.

يشكل مشهد مقاتلي داعش المتطرفين وهم يكتسحون مدينة كبيرة مثل الموصل ويزحفون نحو بغداد عاصمة العراق العريقة- ذروة التاريخ الدرامي للعراق، بلاد الرافدين العريقة، أرض الحضارات والأديان والمذاهب والدماء، البلد العربي الوحيد الذي يحوي نهرين كبيرين وكذلك البلد الذي كان للصحراء دوماً تأثير عميق على تاريخه.

رغم أن “داعش” حظيت باهتمام إعلامي قد يكون غير مسبوق، فإن هذا المشهد المعاصر لم يكن سوى أحد المشاهد الخطيرة في تاريخ البلاد الطويل، التي مرت بتغيراتٍ بارزةٍ على مر القرون، حسب تقرير لمجلة National Geographic الأميركية.

قبل الفتح العربي، كان العراق خاضعاً للاحتلال الفارسي لقرون، حيث أنهى الفرس استقلال العراق الذي نشأت فيه حضارات عريقة؛ إذ تأسست به أولى الإمبراطوريات في التاريخ؛ الأكادية والآشورية والبابلية.

والمفارقة أن ذروة قوة العراق قديماً والتي وصل لها في ظل الإمبراطورية الآشورية، قد انتهت نتيجة الصراع بين الآشوريين (شمال) والبابليين (وسط وجنوب) والذي تحالف فيه الأخيرون مع الشعوب الإيرانية وشعوب آسيا الصغرى التي كانت خاضعة للآشوريين؛ لإسقاط هذه الإمبراطورية، بينما كان فراعنة مصر في الأغلب حلفاء للآشوريين.

ولم ينته الصراع بسقوط نينوى عام 612 قبل الميلاد (الموصل معقل داعش السابق هي عاصمة نينوى)؛ بل ظلت فلول الآشوريين تقاتل بعد ذلك بسنوات، ثم خضعت آشور لأعدائها، لترثها لفترةً قصيرةً الإمبراطورية البابلية الجديدة التي تسمى أيضاً الإمبراطورية الكلدانية.

ولكن بعد ذلك، سيسقط العراق طويلاً تحت حكم الإمبراطورية الإيرانية، وتوالى بعدها الحكم الإغريقي، ثم عودة الحكم الإيراني عبر البارثيين والساسانيين، الذي سيكون العراق خلال عهدهما إقليماً مهمّاً ومنطقة للنزاع مع الرومان والبيزنطيين.

ويكفى للدلالة على أهمية العراق بالنسبة للفرس أنهم جعلوا عاصمتهم فيه والتي سماها العرب المدائن؛ لفرط ضخامتها.

ورغم طول الحكم الفارسي، فقد حافظ على هويته السامية؛ إذ يشكل هذا البلد منذ القدم الحد الشرقي للثقافة السامية يجابه ثقافة أخرى قوية هي الآرية.

فهو لذلك ساحة صراع وتفاعل اجتماعي بين السامية والآرية منذ فجر السلالات. ثم صار العراق الحد الشرقي للثقافة العربية حفيدة الثقافات السامية ووريثتها.

دول الخلافة الأولى

شهد العراق، خلال الفتح العربي الإسلامي، معارك تاريخية أنهت عملياً وجود الإمبراطورية الساسانية، ومنها معركتا القادسية ونهاوند .

وبعد الفتح، أمر الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان بتأسيس مدينة “البصرة”؛ لتكون قاعدة إسلامية على الضفة الغربية من شط العرب، وذلك سنة (16هـ). وفي عام (17هـ)، أمر الخليفة نفسه سعدَ بن أبي وقاص بتأسيس مدينة “الكوفة” التي اتخذها الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب مقراً له، حيث ستشهد أحداثاً فارقة في تاريخ العراق والعالم الإسلامي كله، بعد رفض والي الشام، معاوية بن أبي سفيان، مبايعته بالخلافة.

هذا الصراع الذي وقع في القرن السابع الميلادي، سيسبب انقساماً داخل المسلمين أنفسهم بين السُّنة والشيعة لم يكفّ عن التفاقم على مر القرون، مُمَزِّقاً المنطقة المسماة “العراق” بين القوى العظمى في المنطقة والتي كانت ترى فيها قُطراً غنياً ومفصلياً يجب السيطرة عليه، حسب وصف National Geographic.

بعد مقتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب والصلح بين ابنه الحسن ومعاوية بن أبي سفيان وتولي الأخير السلطة مدشنا الخلافة الأموية، تحول العراق إلى حكم الأمويين وصار ولاته يُعيَّنون من دمشق عاصمة الدولة الأموية، وشهد العراق إبان الحكم الأموي العديد من الحروب بين مؤيدي أبناء علي بن أبي طالب والدولة الأموية، واستمرت العراق تحت حكم الأمويين إلى أن قامت الدولة العباسية عام 750م/132هـ.

بقيام الخلافة العباسية، انتقلت إدارة الدولة الإسلامية إلى العراق بعد أن كانت في دمشق، وتألقت بغداد التي بناها العباسيون، لتصبح عاصمة العلم والترجمة عن مختلف الحضارات السابقة التي كانت تتم في بيت الحكمة الذي أسسه الخليفة العباسي المأمون سنة 830م.

ورغم ازدهاره في العهد، تعرض العراق في عهد العباسيين للعديد من الثورات والحروب الداخلية إلى أن سقطت الخلافة على يد القائد المغولي هولاكو خان سنة 1258م/656هـ.

الإمبراطورية المغولية

بعد أن اكتسح المغول آسيا الوسطى وإيران، توجهوا بقيادة هولاكو إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، والتي يقال إنها كانت أهم مدينة في العالم آنذاك، وحاصروها ثم دخلوها في 10 فبراير/شباط 1258م، بعد أن استسلم الخليفة العباسي المستعصم، الذي لقي حتفه بعد 5 أيام من دخول المغول، وقضى المغول على الخلافة العباسية التي استمرت 5 قرون، ودمروا مدينة العلم بغداد وقتلوا الكثير من أهلها، حيث قُدّر عدد القتلى بمليون قتيل.

ويعتقد بعض المؤرخين أن غزو المغول قد دمر الكثير من البنى الأساسية للري والتي كانت موجودة منذ حضارة ما بين النهرين قبل آلاف السنين. ولم تُرمَّم بعد ذلك، كما تسبب قتل أناس كثيرين وهروب غيرهم في عدم إصلاح نظام الري هذا، ولم تقم بذلك أيضاً أي جهة أخرى.

الإمبراطورية العثمانية

وفي الفترة ما بين (1393–1401م)، هجم التيموريون بقيادة تيمورلنك، الذي ينسب لنفسه أصلاً مغوليّاً من ناحية والدته، على العراق، ونهب بغداد ثم سلَّم أمرها إلى المجموعات التركمانية التي عاشت متصارعة إلى أن سيطرت الأسرة الصفوية الشيعية بإيران على مقاليد الأمور في العراق سنة (1508م)، واستمروا يحكمون بغداد حتى أخرجهم العثمانيون الأتراك السُّنة عام (1534م).

امتدت الإمبراطورية العثمانية، التي كان قادتها من السُّنة وتمركزت فيما يُعرَف الآن بتركيا، في أقصى توسعها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، لتغطي مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في جنوب أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا. وقد سمحت الإمبراطورية باستخدام لغاتٍ مختلفةٍ واتِّباع دياناتٍ متعددةٍ، وقسمت المنطقة المعروفة بالعراق الآن إلى 3 أقاليم.

فاستقر الأكراد في الشمال، والشيعة في البصرة، والسُّنة في بغداد (والمحافظات الواقعة إلى شماله). وتماماً مثل البريطانيين الذين تلوهم، سعى العثمانيون للإبقاء على الأراضي التي ستُعرَف لاحقاً بالعراق كمنطقةٍ يسيطر السُّنة على أغلبها، حسب تقرير National Geographic .

واستمر الصراع على العراق بين السلالات الحاكمة في إيران والعثمانيين حتى الحرب العالمية الأولى.

ما بعد الحرب العالمية الأولى

شهدت الحرب العالمية الأولى سقوط العديد من الإمبراطوريات، من بينها الإمبراطورية العثمانية.

وقد تولت هيئة عصبة الأمم، المُشَكَّلةُ بعد أن وضعت الحرب أوزارها، مهمة حفظ السلام العالمي، ممزِّقةً الإمبراطورية العثمانية السابقة، وواضعةً الأقاليم الثلاثة تحت الحكم البريطاني، راسمةً الحدود الحديثة للعراق بشكلٍ أساسي. واتحد السُّنة والشيعة والأكراد لأول مرةٍ؛ بسبب استيائهم من تلك الخطة، ليناضلوا معاً ضد الاحتلال البريطاني، لكنهم لم يفلحوا في الحصول على الاستقلال التام حتى عام 1932.

واحتفظ السُّنة بسيطرةٍ على مقاليد الحكم خلال النظام الملكي، وكذلك المناصب القيادية السياسية، بما في ذلك عهد رئاسة صدام حسين الذي بدأ عام 1979.

سقوط صدام حسين

احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 وأسقطت نظام صدام حسين، الذي حكم البلاد عقوداً من الزمن. وأدى التمرد العنيف الذي تلا ذلك إلى سقوط أكثر من 4 آلاف قتيلٍ أميركيٍ، ومئات آلاف الضحايا العراقيين.

وفي عام 2006، بدا أن التمرد تطوَّرَ إلى حربٍ أهليةٍ بين الفصائل الشيعية والسنية. وفي العام نفسه، افتتح انتخاب رئيس الوزراء الجديد، نوري المالكي الشيعي، عصراً جديداً غير مألوفٍ من الهيمنة السياسية للشيعة في العراق، وأدى ذلك إلى مزاعمٍ من قِبَل السُّنة بالحرمان من الحقوق؛ ما يعد أحد العوامل الأساسية في المعارضة العنيفة لحكمه في ذلك الوقت، وفقاً لـNational Geographic.

وخلال الربيع العربي، شهد العراق مظاهرات سلمية من قِبل السُّنة؛ للمطالبة بما يعتبرونه حقوقهم، تم فضها بالقوة.

ومع استمرار الاضطرابات والشعور بالمظلومية لدى قطاع من السُّنة، وُلد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كمجموعةٍ سُنية (تسميةٌ جديدةٌ لتنظيمِ القاعدة في العراق وسلفٌ لتنظيم داعش) وكدولةٍ إسلاميةٍ مُعلنةٍ غرب العراق.

قيام داعش

بعد قيام الثورة السورية التي جذبت الراغبين في الجهاد من كل مكان، انتقلت مجموعةٌ منشقةٌ عن تنظيم القاعدة من سوريا إلى العراق، بهدف تأسيس دولةٍ إسلاميةٍ في كلتا الدولتين؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إزالة الحدود التي فرضها الغرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وبعد أن قضت على كثير من فصائل المعارضة السورية، استولت تلك الميليشيات العربية السنية المسماة “داعش” على موارد كبيرة ونفَّذَت إعداماتٍ جماعية ضخمة في زحفها الهائل نحو بغداد.

ويسود اعتقاد واسع في العراق أن ضباطاً في الجيش العراقي السابق يقفون خلف إدارة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ونجاح عملياته العسكرية، وهو ما يؤكده ضباط سابقون بالجيش العراقي المنحل وقيادات في حزب البعث.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية كشفت عن جنسية “أمير أمراء تنظيم الدولة” الذي يقوم باتخاذ القرارات الحقيقية، لافتةً إلى أن جميع قادة التنظيم من ضباط الجيش العراقي المنحل ويؤثرون بقوة في التنظيم.

ويفسر الباحث العراقي في علم الاجتماع السياسي وليد السعد تحوُّل عناصر حزب البعث إلى “سلفيين”، بالقول: ” تزايدت الميول الدينية تدريجياً عقب سقوط بغداد؛ ما دفع بعض البعثيين للانضواء تحت مجموعات إسلامية متطرفة ومسلحة”، حسب ما نقل عنه تقرير لموقع الجزيرة.

ويضيف السعد أن “الكثير من البعثيين تفرغوا لقراءة الكتب الدينية والذهاب إلى المساجد عقب الاحتلال، ليتغير منهجهم من قومي وعلماني إلى سلفي وأصولي”، مشيراً إلى أن “الرغبة في العودة إلى السلطة بأي ثمن دفعت بعض البعثيين إلى إعلان البراءة من (حزب البعث) والانضمام إلى المسلحين الأصوليين”.

إن قصة العراق مع الحضارة والأديان والحروب طويلة للغاية، وكل مشهد غريب تراه في هذه البلاد العريقة وراءه أحداث قديمة، زادتها الجغرافيا تعقيداً، وزادها التاريخ غموضاً.

فكم من بلدان تشكو من ضآلة تاريخها، بينما هناك أوطان تئنُّ من ثقل التاريخ الذي ينكبها بمآسيه كلما ازدهرت حضارتها.

العراق: 1400 سنة من التاريخ المضطرب.. تعرَّف على الإمبراطوريات التي حكمت ونشأت ببلاد الحضارات المنكوبة

عربي بوست

  

كأنما كُتب على هذه البلاد أن ترى أروع لحظات البشرية وأكثرها دموية، إنها بلاد الرافدين منشأ الحضارات ومنزل أبي الأنبياء إبراهيم وباحة العلم والمذاهب.

عندما تمكَّنَت الميليشيات المنشقة عن تنظيم القاعدة، والمعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام (داعش)، من السيطرةِ على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي على امتداد نهري دجلة والفرات بالعراق، والتقدم جنوباً باتجاه بغداد- كان حدثاً صادماً للعالم كله، خاصة بعد أن تبين أن كل ذلك جزء من خطةٍ أكبر تهدف إلى إقامة خلافةٍ إسلاميةٍ في سوريا والعراق، ثم التوسُّع بعد ذلك أكثر عبر آسيا وإفريقيا.

يشكل مشهد مقاتلي داعش المتطرفين وهم يكتسحون مدينة كبيرة مثل الموصل ويزحفون نحو بغداد عاصمة العراق العريقة- ذروة التاريخ الدرامي للعراق، بلاد الرافدين العريقة، أرض الحضارات والأديان والمذاهب والدماء، البلد العربي الوحيد الذي يحوي نهرين كبيرين وكذلك البلد الذي كان للصحراء دوماً تأثير عميق على تاريخه.

رغم أن “داعش” حظيت باهتمام إعلامي قد يكون غير مسبوق، فإن هذا المشهد المعاصر لم يكن سوى أحد المشاهد الخطيرة في تاريخ البلاد الطويل، التي مرت بتغيراتٍ بارزةٍ على مر القرون، حسب تقرير لمجلة National Geographic الأميركية.

قبل الفتح العربي، كان العراق خاضعاً للاحتلال الفارسي لقرون، حيث أنهى الفرس استقلال العراق الذي نشأت فيه حضارات عريقة؛ إذ تأسست به أولى الإمبراطوريات في التاريخ؛ الأكادية والآشورية والبابلية.

والمفارقة أن ذروة قوة العراق قديماً والتي وصل لها في ظل الإمبراطورية الآشورية، قد انتهت نتيجة الصراع بين الآشوريين (شمال) والبابليين (وسط وجنوب) والذي تحالف فيه الأخيرون مع الشعوب الإيرانية وشعوب آسيا الصغرى التي كانت خاضعة للآشوريين؛ لإسقاط هذه الإمبراطورية، بينما كان فراعنة مصر في الأغلب حلفاء للآشوريين.

ولم ينته الصراع بسقوط نينوى عام 612 قبل الميلاد (الموصل معقل داعش السابق هي عاصمة نينوى)؛ بل ظلت فلول الآشوريين تقاتل بعد ذلك بسنوات، ثم خضعت آشور لأعدائها، لترثها لفترةً قصيرةً الإمبراطورية البابلية الجديدة التي تسمى أيضاً الإمبراطورية الكلدانية.

ولكن بعد ذلك، سيسقط العراق طويلاً تحت حكم الإمبراطورية الإيرانية، وتوالى بعدها الحكم الإغريقي، ثم عودة الحكم الإيراني عبر البارثيين والساسانيين، الذي سيكون العراق خلال عهدهما إقليماً مهمّاً ومنطقة للنزاع مع الرومان والبيزنطيين.

ويكفى للدلالة على أهمية العراق بالنسبة للفرس أنهم جعلوا عاصمتهم فيه والتي سماها العرب المدائن؛ لفرط ضخامتها.

ورغم طول الحكم الفارسي، فقد حافظ على هويته السامية؛ إذ يشكل هذا البلد منذ القدم الحد الشرقي للثقافة السامية يجابه ثقافة أخرى قوية هي الآرية.

فهو لذلك ساحة صراع وتفاعل اجتماعي بين السامية والآرية منذ فجر السلالات. ثم صار العراق الحد الشرقي للثقافة العربية حفيدة الثقافات السامية ووريثتها.

دول الخلافة الأولى

شهد العراق، خلال الفتح العربي الإسلامي، معارك تاريخية أنهت عملياً وجود الإمبراطورية الساسانية، ومنها معركتا القادسية ونهاوند .

وبعد الفتح، أمر الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان بتأسيس مدينة “البصرة”؛ لتكون قاعدة إسلامية على الضفة الغربية من شط العرب، وذلك سنة (16هـ). وفي عام (17هـ)، أمر الخليفة نفسه سعدَ بن أبي وقاص بتأسيس مدينة “الكوفة” التي اتخذها الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب مقراً له، حيث ستشهد أحداثاً فارقة في تاريخ العراق والعالم الإسلامي كله، بعد رفض والي الشام، معاوية بن أبي سفيان، مبايعته بالخلافة.

هذا الصراع الذي وقع في القرن السابع الميلادي، سيسبب انقساماً داخل المسلمين أنفسهم بين السُّنة والشيعة لم يكفّ عن التفاقم على مر القرون، مُمَزِّقاً المنطقة المسماة “العراق” بين القوى العظمى في المنطقة والتي كانت ترى فيها قُطراً غنياً ومفصلياً يجب السيطرة عليه، حسب وصف National Geographic.

بعد مقتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب والصلح بين ابنه الحسن ومعاوية بن أبي سفيان وتولي الأخير السلطة مدشنا الخلافة الأموية، تحول العراق إلى حكم الأمويين وصار ولاته يُعيَّنون من دمشق عاصمة الدولة الأموية، وشهد العراق إبان الحكم الأموي العديد من الحروب بين مؤيدي أبناء علي بن أبي طالب والدولة الأموية، واستمرت العراق تحت حكم الأمويين إلى أن قامت الدولة العباسية عام 750م/132هـ.

بقيام الخلافة العباسية، انتقلت إدارة الدولة الإسلامية إلى العراق بعد أن كانت في دمشق، وتألقت بغداد التي بناها العباسيون، لتصبح عاصمة العلم والترجمة عن مختلف الحضارات السابقة التي كانت تتم في بيت الحكمة الذي أسسه الخليفة العباسي المأمون سنة 830م.

ورغم ازدهاره في العهد، تعرض العراق في عهد العباسيين للعديد من الثورات والحروب الداخلية إلى أن سقطت الخلافة على يد القائد المغولي هولاكو خان سنة 1258م/656هـ.

الإمبراطورية المغولية

بعد أن اكتسح المغول آسيا الوسطى وإيران، توجهوا بقيادة هولاكو إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، والتي يقال إنها كانت أهم مدينة في العالم آنذاك، وحاصروها ثم دخلوها في 10 فبراير/شباط 1258م، بعد أن استسلم الخليفة العباسي المستعصم، الذي لقي حتفه بعد 5 أيام من دخول المغول، وقضى المغول على الخلافة العباسية التي استمرت 5 قرون، ودمروا مدينة العلم بغداد وقتلوا الكثير من أهلها، حيث قُدّر عدد القتلى بمليون قتيل.

ويعتقد بعض المؤرخين أن غزو المغول قد دمر الكثير من البنى الأساسية للري والتي كانت موجودة منذ حضارة ما بين النهرين قبل آلاف السنين. ولم تُرمَّم بعد ذلك، كما تسبب قتل أناس كثيرين وهروب غيرهم في عدم إصلاح نظام الري هذا، ولم تقم بذلك أيضاً أي جهة أخرى.

الإمبراطورية العثمانية

وفي الفترة ما بين (1393–1401م)، هجم التيموريون بقيادة تيمورلنك، الذي ينسب لنفسه أصلاً مغوليّاً من ناحية والدته، على العراق، ونهب بغداد ثم سلَّم أمرها إلى المجموعات التركمانية التي عاشت متصارعة إلى أن سيطرت الأسرة الصفوية الشيعية بإيران على مقاليد الأمور في العراق سنة (1508م)، واستمروا يحكمون بغداد حتى أخرجهم العثمانيون الأتراك السُّنة عام (1534م).

امتدت الإمبراطورية العثمانية، التي كان قادتها من السُّنة وتمركزت فيما يُعرَف الآن بتركيا، في أقصى توسعها في القرنين السادس عشر والسابع عشر، لتغطي مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في جنوب أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا. وقد سمحت الإمبراطورية باستخدام لغاتٍ مختلفةٍ واتِّباع دياناتٍ متعددةٍ، وقسمت المنطقة المعروفة بالعراق الآن إلى 3 أقاليم.

فاستقر الأكراد في الشمال، والشيعة في البصرة، والسُّنة في بغداد (والمحافظات الواقعة إلى شماله). وتماماً مثل البريطانيين الذين تلوهم، سعى العثمانيون للإبقاء على الأراضي التي ستُعرَف لاحقاً بالعراق كمنطقةٍ يسيطر السُّنة على أغلبها، حسب تقرير National Geographic .

واستمر الصراع على العراق بين السلالات الحاكمة في إيران والعثمانيين حتى الحرب العالمية الأولى.

ما بعد الحرب العالمية الأولى

شهدت الحرب العالمية الأولى سقوط العديد من الإمبراطوريات، من بينها الإمبراطورية العثمانية.

وقد تولت هيئة عصبة الأمم، المُشَكَّلةُ بعد أن وضعت الحرب أوزارها، مهمة حفظ السلام العالمي، ممزِّقةً الإمبراطورية العثمانية السابقة، وواضعةً الأقاليم الثلاثة تحت الحكم البريطاني، راسمةً الحدود الحديثة للعراق بشكلٍ أساسي. واتحد السُّنة والشيعة والأكراد لأول مرةٍ؛ بسبب استيائهم من تلك الخطة، ليناضلوا معاً ضد الاحتلال البريطاني، لكنهم لم يفلحوا في الحصول على الاستقلال التام حتى عام 1932.

واحتفظ السُّنة بسيطرةٍ على مقاليد الحكم خلال النظام الملكي، وكذلك المناصب القيادية السياسية، بما في ذلك عهد رئاسة صدام حسين الذي بدأ عام 1979.

سقوط صدام حسين

احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 وأسقطت نظام صدام حسين، الذي حكم البلاد عقوداً من الزمن. وأدى التمرد العنيف الذي تلا ذلك إلى سقوط أكثر من 4 آلاف قتيلٍ أميركيٍ، ومئات آلاف الضحايا العراقيين.

وفي عام 2006، بدا أن التمرد تطوَّرَ إلى حربٍ أهليةٍ بين الفصائل الشيعية والسنية. وفي العام نفسه، افتتح انتخاب رئيس الوزراء الجديد، نوري المالكي الشيعي، عصراً جديداً غير مألوفٍ من الهيمنة السياسية للشيعة في العراق، وأدى ذلك إلى مزاعمٍ من قِبَل السُّنة بالحرمان من الحقوق؛ ما يعد أحد العوامل الأساسية في المعارضة العنيفة لحكمه في ذلك الوقت، وفقاً لـNational Geographic.

وخلال الربيع العربي، شهد العراق مظاهرات سلمية من قِبل السُّنة؛ للمطالبة بما يعتبرونه حقوقهم، تم فضها بالقوة.

ومع استمرار الاضطرابات والشعور بالمظلومية لدى قطاع من السُّنة، وُلد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، كمجموعةٍ سُنية (تسميةٌ جديدةٌ لتنظيمِ القاعدة في العراق وسلفٌ لتنظيم داعش) وكدولةٍ إسلاميةٍ مُعلنةٍ غرب العراق.

قيام داعش

بعد قيام الثورة السورية التي جذبت الراغبين في الجهاد من كل مكان، انتقلت مجموعةٌ منشقةٌ عن تنظيم القاعدة من سوريا إلى العراق، بهدف تأسيس دولةٍ إسلاميةٍ في كلتا الدولتين؛ الأمر الذي سيؤدي إلى إزالة الحدود التي فرضها الغرب في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

وبعد أن قضت على كثير من فصائل المعارضة السورية، استولت تلك الميليشيات العربية السنية المسماة “داعش” على موارد كبيرة ونفَّذَت إعداماتٍ جماعية ضخمة في زحفها الهائل نحو بغداد.

ويسود اعتقاد واسع في العراق أن ضباطاً في الجيش العراقي السابق يقفون خلف إدارة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ونجاح عملياته العسكرية، وهو ما يؤكده ضباط سابقون بالجيش العراقي المنحل وقيادات في حزب البعث.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية كشفت عن جنسية “أمير أمراء تنظيم الدولة” الذي يقوم باتخاذ القرارات الحقيقية، لافتةً إلى أن جميع قادة التنظيم من ضباط الجيش العراقي المنحل ويؤثرون بقوة في التنظيم.

ويفسر الباحث العراقي في علم الاجتماع السياسي وليد السعد تحوُّل عناصر حزب البعث إلى “سلفيين”، بالقول: ” تزايدت الميول الدينية تدريجياً عقب سقوط بغداد؛ ما دفع بعض البعثيين للانضواء تحت مجموعات إسلامية متطرفة ومسلحة”، حسب ما نقل عنه تقرير لموقع الجزيرة.

ويضيف السعد أن “الكثير من البعثيين تفرغوا لقراءة الكتب الدينية والذهاب إلى المساجد عقب الاحتلال، ليتغير منهجهم من قومي وعلماني إلى سلفي وأصولي”، مشيراً إلى أن “الرغبة في العودة إلى السلطة بأي ثمن دفعت بعض البعثيين إلى إعلان البراءة من (حزب البعث) والانضمام إلى المسلحين الأصوليين”.

إن قصة العراق مع الحضارة والأديان والحروب طويلة للغاية، وكل مشهد غريب تراه في هذه البلاد العريقة وراءه أحداث قديمة، زادتها الجغرافيا تعقيداً، وزادها التاريخ غموضاً.

فكم من بلدان تشكو من ضآلة تاريخها، بينما هناك أوطان تئنُّ من ثقل التاريخ الذي ينكبها بمآسيه كلما ازدهرت حضارتها.

مقالات لها علاقة

Most Popular